Sunday, September 12, 2010

مصادر أقوال يسوع ما جئت لأُلقي سلاماً بل سيفاً، ولا تسيروا في طريق الأُمم، وقوله لتلاميذه أيها الجيل غير المؤمن والملتوي، وقوله أنه لن تهلك شعرة من رؤوس التلاميذ

الفصل الثالث: مصادر الأناجيل وطريقة تأليفها وكتابتها

القسم السادس: النصوص المقتبسة من العهد القديم دون نسبتها له مباشرة
في هذا القسم سأقوم بدراسة النصوص المقتبسة من العهد القديم والتي لم تُنسب إليه مباشرة، كما هو الحال في الأقسام السابقة، أو ما أُطلق عليه الحبكة القصصية والحوارية، وفيه سنطلع على معظم الأحداث والقصص والأقوال المذكورة في الأناجيل ومقارنتها بالعهد القديم وبواقع حال يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، وأبدأ ببعض أسماء وألقاب يسوع.
57 - مصدر قول يسوع ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً
- لا تظنوا أني جئت لأُلقي سلاماً على الأرض،
ما جئت لأُلقي سلاماً بل سيفاً،
فإني جئت لأُفرق الانسان ضدّ أبيه والابنة ضدّ أُمها والكنّة ضدّ حماتها،
وأعداء الإنسان أهل بيته. (متّى 10: 34-36)
- جئت لأُلقي ناراً على الارض، فماذا أُريد لو اضطرمتْ،
ولي صبغة أصطبغها وكيف أنحصر حتى تكمل،
أتظنون أني جئت لأُعطي سلاماً على الأرض،
كلا أقول لكم، بل انقساماً،
لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة على اثنين،
واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن والابن على الأب،
والأُم على البنت والبنت على الأُم،
والحماة على كنّتها والكنّة على حماتها. (لوقا 12: 49-53)
هذان النصان يمثلان فهماً غريباً ومناقضاً لدعوة يسوع المبشرة بالسلام والخلاص والمسامحة كما هو ظاهر في الاناجيل وكما تقول الكنائس المختلفة، فمن أين جاءت فكرة هذين النصين؟
لنقرأ النص التالي:
- لا تأتمنوا صاحباً لا تثقوا بصديق،
احفظ أبواب فمك عن المضطجعة في حضنك،
لأن الابن مُستهين بالأب والبنت قائمة على أُمها والكنة على حماتها،
وأعداء الانسان أهل بيته. (ميخا 7: 5-6)
كما نقرأ فإن النص في سفر ميخا يكاد يكون هو نفس النصّ المذكور في انجيلي متّى ولوقا مع انه كان يجب عليهما الانتباه الى ان هذه الفكرة تتعارض مع كل ما كتباه عن يسوع ودعوته للسلام والمسامحة وعدم مقاومة الشر والأمر بالخضوع لسلطان قيصر ودفع الجزية له، وهذا يدل على أن قول يسوع ينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذباً.
58 - مصدر قول يسوع لا تسيروا في طريق الأُمم
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أُمم لا تمضوا إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
هذا النص مع النصوص التي تتحدث عن عدم إرسال يسوع إلا لبني اسرائيل تمثل مشكلة كبيرة سواء في عقول الطيبين من أتباع الكنائس، أو في الكنائس نفسها، إذ تخرجهم من كونهم أتباعاً ليسوع مما دفع بعضهم الى كتابة فقرات تتحدث عن طلب يسوع من التلاميذ بدعوة الأُمم من غير اليهود وإضافتها الى الإصحاح الأخير في إنجيل مرقس كآخر كلمات قالها يسوع قبل صعوده إلى السماء كما بينت ذلك سابقاً، كما أن بولس وضع جل همه في رفض هذه النصوص والقول ان العهود مع بني اسرائيل قد انتهت ونُقضت، وأن يسوع مرسل لجميع الأُمم، وأنه هو رسول للأُمم، وقد أظهرت خطأ أقوال بولس فيما مضى، وما زالت الاناجيل تطبع وهي تحتوي على هذا النص وغيره، والتي تؤكد أن يسوع لم يُرسل إلا الى خراف بيت إسرائيل الضالة، وهذا التناقض بين هذه النصوص وأقوال بولس والكنائس المختلفة دليل على أن هذه النصوص ليست وحياً، وإنما تم اقتباسها من العهد القديم على منهج الكتبة في كتابتهم لأناجيلهم ووضعها في إطار قصصي، فمن أين اقتبس متّى هذا القول؟
لنقرأ النص التالي:
- اسمعوا الكلمة التي تكلم بها الرب عليكم يا بيت اسرائيل،
هكذا قال الرب لا تتعلموا طريق الأمم،
ومن آيات السموات لا ترتعبوا، لأن الأُمم ترتعب منها،
لأن فرائض الأُمم باطلة، لأنها شجرة يقطعونها من الوعر، صنعة يدي نجار بالقدوم،
بالفضة والذهب يزينونها وبالمسامير والمطارق يشددونها فلا تتحرك،
وهي كاللعين في مقثأة فلا تتكلم، تُحمل حملاً لأنها لا تمشي،
لا تخافوها لأنها لا تضر ولا فيها أن تصنع خيراً،
لا مثل لك يا رب،
عظيم أنت وعظيم اسمك في الجبروت،
من لا يخافك يا ملك الشعوب، لأنه بك يليق،
لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك،
أدبُ أباطيل هو الخشب، فضةٌ مُطرّقة تُجلب من ترشيش،
وذهبٌ من أُوفاز صنعة صانع ويدي صائغ، أسمانجوني وأُرجوان لباسها، كلها صنعة حكماء،
أما الرب الإله فحقٌ، هو إله حيّ، وملك أبديّ، من سُخطه ترتعد الارض ولا تطيق الأُمم غضبه،
هكذا تقولون لهم الآلهة التي لم تصنع السموات والارض تبيد من الارض ومن تحت هذه السموات،
صانع الارض بقوته،  مؤسس المسكونة بحكمته، وبفهمه بسط السموات،
إذا أعطى قولاً تكون كثرة مياه في السموات ويُصعِدُ السحاب من أقاصي الأرض صنع بروقاً للمطر وأخرج الريح من خزائنه،
بَلِدَ كل إنسان من معرفته، خَزِيَ كل صائغ من التمثال، لأن مسبوكه كذب ولا روح فيه،
هي باطلة صنعة الأضاليل، وفي وقت عقابها تبيد،
ليس كهذه نصيب يعقوب، لأنه مصور الجميع، واسرائيل قضيب ميراثه، رب الجنود اسمه. (إرميا 10: 1-16)
في هذا النص الطويل يطلب الرب من بني اسرائيل أن لا يتعلموا طريق الأُمم وهو يشبه ما كتبه متّى على لسان يسوع في النص السابق، كما نقرأ فيه التحذير من اتخاذ التماثيل والأصنام وهو ما لم تلتزم به الكنائس، فقد قامت الكنائس بعمل ملايين التماثيل والأصنام والصور والصلبان من الخشب وغيره، وهذا يدل على أنها خالفت النص وسلكت وتعلمت طريق الأُمم! كما أن الصفات التي تقولها الاناجيل والكنائس عن يسوع تتناقض مع صفات الرب العظيم خالق السموات والأرض الذي لا مثيل له ولا شبيه، الإله الحق الحي الذي لا يموت، والمَلِك منذ الأزل والى الأبد، الإله الذي ترتعد من سخطه الأرض ولا تطيق الشعوب غضبه، صانع الأرض بقوته وحكمته، فهذه صفات الرب الإله الحق، فأين وجه الشبه مع صفات يسوع الذي مات وجُلد وضُرب وبُصق عليه، والذي رفض أن يكون ملكاً عندما حاول بعض الناس تنصيبه عليهم، وقبل هذا سكن في بطن امرأة تسعة شهور، وولد في مذود غنم، وكان يجوع ويعطش ويخاف ويهرب! لهذا يقول الرب ان تلك الآلهة التي لم تصنع السموات والأرض تموت، وهو ما ينطبق على يسوع إذ تقول الأناجيل عنه أنه مات، ثم يعود النص للقول ان كل من صنع تمثالاً أو صورة أو غيرها من الرموز التي تعبد من دون الرب فإنه سيخزى.
59 - مصدر قول يسوع جيل ملتوي
- ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً يا سيد ارحم ابني فإنه يُصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء،
وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه،
فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي،
إلى متى أكون معكم،
إلى متى احتملكم،
قدموه إليّ ههنا، فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان، فشُفي الغلام من تلك الساعة،
ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه،
فقال لهم يسوع  لعدم إيمانكم،
فالحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم،
وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم. (متّى 17: 14-21)
- فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن والملتوي، قدّم ابنك إلى هنا. (لوقا 9: 41)
هذان النصان يمثلان معضلة في عقول الطيبين من أتباع الكنائس ليس لأن فيهما وصف التلاميذ بعدم الإيمان، فهذا واقع حالهم كما هو مكتوب في الاناجيل، بل لأنهم لم يستطيعوا إخراج الشيطان من ابن الرجل مع أن يسوع كان قد أعطاهم القدرة على إخراج الشياطين، وهذا يدل على أن وعود يسوع ليست حقيقية، وهذا عكس وعود الرب خالق السموات والأرض، مما يدل على أن هذه القصة ليست وحياً، وما يهم هنا هو قوله أيها الجيل غير المؤمن والملتوي، فمن أين اقتبس متّى ولوقا هذا القول؟
لنقرأ النص التالي:
- إني باسم الرب أُنادي، أعطوا عظمة لإلهنا،
هو الصخر الكامل صنيعه، إن جميع سُبُله عدل،
إله أمانة لا جور فيه، صدّيق وعادل هو، أفسد له الذين ليسوا أولاده عيبهم،
 جيل أعوج ملتو،
الرب تكافئون بهذا يا شعباً غبياً غير حكيم. (تثنية 32: 3-6)
هذا النص جزء من نشيد لموسى قاله عندما رأى تمرد بني اسرائيل على الشريعة، وفيه وصفهم بالجيل الأعوج والملتوي، وهو يعبر عن حقيقة الكثير منهم في ذلك الوقت، فهذا النص يعبر عن الواقع في حين أن ما كتبه متّى ولوقا يثبت أن وعود يسوع ليست متحققة، وهو ما يشكك فيما تقوله قوانين إيمان الكنائس عنه من أنه إله وابن إله، ويشير كذلك الى أن قانون لا تقبل خبراً كاذباً ينطبق على ما كتبه متّى ولوقا في هذين النصين.
60 - مصدر قول يسوع أن شعرة لا تهلك من رؤوس تلاميذه
- وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي،
ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك،
بصبركم اقتنوا أنفسكم. (لوقا 21: 17-19)
في هذا النص يكتب لوقا على لسان يسوع قوله للتلاميذ انه لن تهلك شعرة من رؤوسهم! وهذا النص ثبت خطأه، إذ أن جميع التلاميذ هلكوا وهلكت معهم شعورهم، والغريب أن لوقا كتب هذا القول ذاته على لسان بولس وقال انه تحقق كما قال بولس كما في النصين التاليين:
- لذلك التمس منكم أن تتناولوا طعاماً لأن هذا يكون مفيداً لنجاتكم لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم. (أعمال الرسل 27: 34)
فهكذا حدث أن الجميع نجوا. (أعمال الرسل 27: 44)
فعدم تحقق كلام يسوع وتحقق كلام بولس يدل على أن هذا الكلام ليس وحياً، وينطبق عليه قانون لا تقبل خبراً كاذبا، وهذا يستوجب البحث عن المصدر الذي اقتبس منه لوقا هذا القول.
لنقرأ النصوص التالية:
- فقال الشعب لشاول أيموت يوناثان الذي صنع هذا الخلاص العظيم في اسرائيل، حاشا،
حيّ هو الرب لا تسقط شعرة من رأسه الى الارض،
لأنه مع الإله عمل هذا اليوم،
فافتدى الشعب يوناثان فلم يمت. (صموئيل الاول 14: 45)
- فقال حيّ هو الرب إنه لا تسقط شعرة من شعر ابنك الى الارض. (صموئيل الثاني 14: 11)
فقال سليمان إن كان ذا فضيلة لا يسقط من شعره الى الارض ولكن إن وُجد به شرّ فإنه يموت. (الملوك الاول 1: 52)
في هذه النصوص نقرأ ان جملة: لا تسقط شعرة من رأس إنسان، كانت تستخدم للشفاعة في بعض المذنبين سواء من الشعب أو من الحكام وهو ما كان يتحقق بحسب ما هو مكتوب، وأما ما كتبه لوقا فهو لم يتحقق على يد يسوع الأُقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة وتحقق على يد بولس!
ولكن ماذا يقول العهد القديم عن أقوال الرب في قصة تشبه ما كتبه لوقا؟
لنقرأ النص التالي:
- فاجتمعت المرازبة والشِّحن والولاة ومشيرو الملك ورأوا هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوة على أجسامهم،
وشعرة من رؤوسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأت عليهم. (دانيال 3: 27)
كما نقرأ فإن وعد الرب قد تحقق في هذا النص، وكل وعود الرب متحققة، وان النار لم تؤثر في هؤلاء الرجال حتى ان شعرة من رؤوسهم لم تحترق من النار التي أُلقوْا فيها، بخلاف ما كتبه لوقا على لسان يسوع بأنه لن تهلك شعرة من رؤوس التلاميذ، لأنهم جميعاً هلكوا وهلكت معهم شعورهم، وهو ما يثبت الفرق بين الوحي في العهد القديم وما يكتبه كتبة الاناجيل من أقوال وقصص اقتبسوا مضمونها من العهد القديم وألصقوها بشخصيات أناجيلهم.

No comments:

Post a Comment